للتاريخ من يحكيه


عرب في اللجوء ... يا عرب





   مقال للصحفي خالد هيلات عن صحيفة سوسنة

     لا ابحث هنا بأحقية عرب الصحراء الغربية بإقامة دولتهم المستقلة أو انضمامهم لأي من الدول، ولا ابحث في قرارات المجتمع الدولي، ولا في النزاع بين الأطراف المعنيين بقضية الصحراء الغربية (الساقية الحمراء ووادي الذهب)، وإنما انقل مشاهدات رأيناها وروايات استمعنا لها على مدى ثلاثة أيام هي الفترة التي استغرقتها جولتنا في تلك المخيمات أو الولايات كما يسمونها.

    هم عرب، ينحدرون من قبائل عربية قدمت من المشرق العربي؛ اليمن والجزيرة العربية والعراق؛ حاملة لواء الإسلام إلى إفريقيا، وقبائل بربرية عرّبها الإسلام، يقطنون الصحراء الغربية التي تتكون من إقليمي (الساقية الحمراء ووادي الذهب)، يتحدثون اللغة العربية، لهجتهم (الحسانية) ويدينون بالإسلام، تعدادهم يقارب نصف المليون نسمة، لكنهم ومنذ عام 1975 تحولوا نتيجة احتلال صحرائهم التي تبلغ مساحتها 284 ألف كلم2 إلى لاجئين.

   كنا مجموعة من 12 شخصا أربعة منا عربا، اثنان من المشرق العربي، حطت بنا المركبة في ولاية (مخيم) السمارة استضافنا العرب الصحراويين في بيوتهم حيث يقطنون مع عائلاتهم رغم وجود بيت تشريفات مخصص للزوار، اختصونا بأربعة بيوت هي أفضل ما لديهم، جدرانها من التراب سقوفها من ألواح (الزينكو) وأرضيتها من الرمال، أفاضوا علينا من كرم وشهامة رجالهم الذين زينت وجوههم شمس الصحراء وعفة نسائهم اللواتي لا يعرفن إلا من أصواتهن، حيث لا يظهر منهن إلا نظارات هي ليست للزينة بل لتقيهن غبار رمال الصحراء.

   كانوا يتقربون منا نحن العرب الأربعة وبخاصة نحن من المشرق العربي وكأننا هبطنا عليهم من كوكب أخر غير مصدقين أن أحدا من منطقتهم يجيء إلى هذه الصحراء، لمسنا الشجاعة والكرم العربي الأصيل، لغتهم العربية أسلم من لغتنا وحرصهم على الارتباط بالمشرق لا يدانيه حرص يعتزون بعروبتهم وإسلامهم وأصولهم العربية المشرقية.
    
   هم عرب تناثرت خيامهم وبيوتهم على رمال خمس ولايات قرب ولاية تندوف جنوب غرب الجزائر التي وفرت لهم الأرض وما يمكنهم من الحفاظ على حياتهم بانتظار إيجاد حل عربي ودولي لقضيتهم ووضع حد لمعاناتهم، وباستثناء ذلك، غابت عنهم كل مظاهر القرن الحادي والعشرين من عصرنة وامن واستقرار وحداثة مثلما غابت عنهم كل مساعدة عربية أو إسلامية، وما يثير الدهشة أنهم ما زالوا يتمسكون بعروبتهم وإسلامهم، رغم تنبه بعض المنظمات التطوعية والأهلية الغربية والأمريكية لأوضاعهم فالأسبان هناك يساعدونهم ويمدون لهم العون الصحي والطبي والتعليمي وكذلك الأمريكيون والفرنسيون، ومع كل ذلك  يؤمنون بالعروبة والإسلام، بانتظار الصحوة العربية التي ستنصفهم ولسان حالهم يقول لن يضعف إيماننا بالعرب والمسلمين، لا بد أن يتنبهوا لقضيتنا وأوضاعنا حتى لو انشغلوا عنا لن يضعف إيماننا بهم، (وقومي وان ضنوا علي كرام).

   استمعنا لقصة العرب الصحراويين الذين كافحوا ضد الاستعمار الاسباني الذي امتد من عام 1884 إلى عام 1975، ومع تأسيس أول تيار سياسي صحراوي نهاية عام 1968 (الحركة الطليعية لتحرير الساقية لحمراء ووادي الذهب) بدأت مقاومتهم تؤتي نتائجها، وفي10 أيار 1973 أعلنوا الثورة المسلحة ضد الاستعمار الاسباني فتأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، ونفذ جناحها العسكري بعد عشرة أيام أول عملية عسكرية ضد مركز الخنـگة العسكري الإسباني وكانت بقيادة مفجر الثورة الولي مصطفى السيد، ما اجبر الأسبان للرجوع إلى الشرعية الدولية والدخول في مفاوضات مباشرة مع جبهة البوليساريو.

   لكن اسبانيا لم تخرج من الصحراء الغربية ألا بعد أن سلمتها عام 1975 مقسمة إلى موريتانيا التي انسحبت منها عام1979 واعترفت بالجمهورية العربية الصحراوية والمغرب التي حولت العرب الصحراويين إلى لاجئين.

   كانوا حريصين على ربط حاضرهم بماضيهم فحدثونا عن أصولهم العربية وقبائلهم من اليمن والجزيرة العربية والعراق، وحبهم للمشرق العربي وارتباطهم بفلسطين انطلاقا من إسلامهم، ورووا لنا بحسرة عن علاقتهم بمن أصروا على تسميتهم بالإخوة المغاربة ومدى الحب الذي يكنونه لهم رغم أن كل بيت منهم وكل عائلة لم تخل من شهيد أو اثنين على الأقل.

    من ينصف العرب الصحراويين يا عرب؟  من ينهي مآسيهم ومعاناتهم ؟ من يلتفت إلى قضيتهم ؟ ألا يستحقون العيش بكرامة كغيرهم ؟ إذا عجزتم عن حل النزاع سياسيا فأين واجبكم الإنساني تجاه بني جنسكم ودينكم؟.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق