للتاريخ من يحكيه


بصيري وانتفاضة الزملة التاريخية "محاضرة"



sih brahim basiri
الفقيد محمد سيد ابراهيم بصيري



  للتاريخ من يحكيه تنشر محاضرة للاخ محمد لمين احمد موضوعها انتفاضة الزملة التاريخية وفقيدها البطل محمد سيد ابراهيم بصيري القاها بمناسبة انتفاضة الزملة التاريخية سنة 2010


مدخــــــــل

   أردت في هذه المداخلة أن أعطيكم الخطوط العريضة لمشروع كتاب أحاول استكماله مع نهاية السنة إن شاء الله، أتحدث فيه عن المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء وهي أرضية للاغناء تحتمل الخطأ في عدد من الجوانب كما تحتمل الصواب في جوانب أخرى مع ديباجة عن أصول الشعب الصحراوي والمد الاستعماري في منطقتنا ومقاومة الشعب الصحراوي لهذا التغلغل الاستعماري البغيض، وقد حاولت أن استند في بحثي إلي بعض الوثائق والكتابات الاسبانية بالخصوص وشهادات بعض الذين عايشوا وقتا من هذا الكفاح البطولي للشعب الصحراوي، وفي انتظار استكمال بعض الوثائق أريد أن انقل للمتتبع والباحث بعض الحقائق ونحن نحيي الذكري الأربعين لانتفاضة 17 يونيو 1970 التي اصطلح على تسميتها بانتفاضة الزملة، دون أن ننسى تلك المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي من 1900-1934 وقد جاء في نشرة صدرت عن مدرسة 12 أكتوبر تحت عنوان: موجز من تاريخ الشعب الصحراوي بمناسبة الذكرى الخامسة لاندلاع الكفاح المسلح سنة 1978 ومما جاء فيه:

الخمسينات والمقاومة

  كانت هناك اتصالات مكثفة بين الوطنيين في المغرب العربي والتي لم تغب عن الصحراويين فأوفدوا عددا منهم للمغرب والجزائر وتونس – بعضهم وصل وبعضهم لم يصل في ذلك التاريخ – أنتج ذلك: الاتفاق علي محاربة الاستعمار الفرنسي والاسباني في المنطقة.

  وهكذا اندلعت الحرب في الساقية الحمراء سنة 1957 التي أخمدت بعد سنة نتيجة للتحالف الاسباني الفرنسي مع تواطئ الحكومة المغربية (حديثة العهد بالاستقلال) كانت بداية للتشريد واضطهاد أبناء الصحراء الغربية.

  ومع ذلك لم تخل الساحة سياسيا من أشكال متفرقة من النضال ضد الوجود الاستعماري : المطالبة بالتساوي في الأجور، تحسين الأوضاع الاجتماعية، توقيف الهجرة الاسبانية، التعليم العربي... الخ.

المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء

  لما أثار مندوبو القارة الإفريقية قضية الصحراء الغربية في الأمم المتحدة إبان اجتماع للجنة الرابعة والعشرين لتصفية الاستعمار في أديس أبابا سنة 1965، ونوقشت من جديد في الجمعية العامة سنة 1966 في غيبة من الشعب الصحراوي... وكرد على ذلك قامت مجموعة من الوطنيين الصحراويين وعلى رأسهم الوطني الكبير محمد سيد إبراهيم بصير الذي عاد إلى بلاده بعد غيبة دراسية طويلة تخرج فيها من جامعتي دمشق والقاهرة، بمحاولة تأسيس حركة ثورية وطنية مناهضة للاستعمار الاسباني... وحفاظا من محمد سيد ابراهيم بصير على سرية الحركة خصوصا تسميتها حتى كتب في مذكراته اسماها: المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء.." انتهى النص.

المنظمة الطليعية القائد والنشأْة:


   هذه المنظمة هي عصارة كفاح الشعب الصحراوي على مر العصور، فبعد القرارات المتواصلة للجمعية العامة للأمم المتحدة مع مطلع الستينات هدأت المطالب المغربية والموريتانية بالصحراء الغربية إذ اكتفى الجانبان بالتصويت لصالح تقرير المصير للشعب الصحراوي حيث اعترف المغرب باستقلال موريتانيا سبتمبر 1969 عندها بدأت متاعب جديدة تطفو على السطح بالنسبة للشعب الصحراوي. عاد محمد سيد ابراهيم بصير إلي ارض الوطن أواخر سنة 1968 وهو ما أكده لي الأخ غالي سيد المصطفى الذي كان حينها يعمل موظف في الإدارة الاسبانية وهو الذي كتب لمحمد بصير الإذن بالدخول لكن قبل الخوض في التفاصيل النضالية لهذا البطل لابد من وضع السؤال التالي:

من هو محمد سيد ابراهيم بصير؟


  يقول سيدي اليساعة لبصير وهو احد مناضلي المنظمة الطليعية الأوائل بل احد مؤسسيها في مقابلة مع مجلة 20 ماي العدد 129 يونيو 1997:
  هو محمد سيد ابراهيم سيد امبارك المعروف ببصيري، ولد شمال المنطقة قرب مدينة الطنطان، وتجمع الروايات إلى أن مولده يعود إلي بداية الأربعينيات وتحديدا سنة 1942، تلقى تعليمه الأول بالكتاتيب القرآنية علي يد ذويه – وهو من أسرة علم – ثم التحق بعد ذلك بالمدارس الابتدائية المغربية ثم الثانوية التي حصل بها على شهادة الباكلوريا، ليسافر إلي القاهرة ويلتحق بجامعتها التي تخرج منها مجازا في الصحافة، فشد الرحال بعد ذلك إلى دمشق ليعمق دراسته في العلوم السياسية.."

   بل قال هو عن نفسه أي محمد سيد إبراهيم بصير إبان استنطاقه من طرف السلطات الاسبانية انه ازداد ببادية مدينة الطنطان، ويقول بعض أقاربه أو جلهم أنه ازداد داخل المغرب، ونحن هنا لا يهمنا أين ازداد وإنما نستدل إلى ما قيل عن والده سيد ابراهيم في كتاب النزر اليسير من مناقب زاوية ال لبصير لصاحبه: الشيخ محمد المصطفى لبصير.

   يقول سيد إبراهيم لبصير متحدثا عن نفسه "لما وصلنا إلي الساقية الحمراء عند أهالينا وجدنا الحياة علي غير ما ألفت، فلم تعجبني لأني تعودت بيئة القرى التي نشأت بها، فصرت اطمئن إلى ذلك يوما بعد يوم" نقلا عن المختار السوسي في كتاب المعسول الجزء 12 ص 110.

   ويضيف المختار السوسي وهو مؤرخ مغربي مشهور في كتابه المعسول السالف الذكر عن أسرة أل لبصير: "المعروف عن هذه الأسرة المباركة، انه اشتهر ذكرها أول الأمر في موريتانيا والساقية الحمراء والسودان (مالي)، إما طالبين للعلم في شنقيط إذ أنها كانت في ذلك الوقت قبلة الراغبين والطالبين للعلم، وإما ممارسين للتجارة في هذه النواحي".

   ويقول احد أحفاد سيد إبراهيم لبصير وهو عبد الهادي بصير: "فأقام بالصحراء زهاء ثلاث سنوات حتى اختمرت روحه بها، وتخلل حبها شعاب قلبه، فأضحت متنفسه الوحيد رغم ما الم به من حنين لوالده.." النزر اليسير من مناقب زاوية آل لبصير ص71.

   وقد جاء في نفس الكتاب ما يلى: "سيد إبراهيم البصير بن الفقير كيسوم زاد في أربيب بلاو فزاده الله فتحا مبينا، وبصيرة نادرة فاقت التصورات... شب وترعرع بين أهله في الصحراء زمنا وما أن بلغ مع والده الرشد حتى حفظه القرآن الكريم، حفظا متقنا، سافر مع والده في سن مبكرة جدا إلى شنقيط لمتابعة دراسته بها لأنها كانت قبلة الراغبين والطالبين للعلم عند العائلة العلمية الشهيرة أهل باريك الله.الخ.. المصدر السابع ص142.

   أما والدة رجل الساقية الحمراء الأول وزعيم نهضتها الحديثة الفقيد محمد سيد إبراهيم بصير فهي المرحومة الزهرة منت الصالح بوقطاية من عراقة الصحراويين "وهذه العائلة نفسها استدعاها حكام المغرب لتحديد الهوية مظهرين لها إنها صحراوية وليست مغربية، وقد وردت هذه الشهادات للاستدلال لا غير وإبطال الحجة بالحجة.

العودة إلي ارض الوطن:


   ارجع إلى ما قاله سيدي اليساعة لبصير لمجلة 20 ماي السالفة الذكر.
سنة 1966 عاد لبصير إلى المغرب بعد إتمام دراسته بالمشرق حيث اشتغل صحفيا بمجلة الشموع إلى أن توقفت عن الصدور ثم مجلة الأساس التي اضطر إلي إنهاء عمله الصحفي بها، بعد أن بلغه عن طريق احد أصدقاء عائلته إن السلطات المغربية مستاءة من آرائه السياسية التي ضمنها مقالاته الثلاث والتي خصصها للحديث عن المستعمرة الاسبانية، ونصحه بالنجاة بنفسه، وكانت تلك المقالات آخر ما كتب. هاجر محمد بصير وأخوه مولاي علي سيد إبراهيم من المغرب إلى رأس الخنفرة على الحدود المغربية الصحراوية، وأقام هناك بضعة أشهر ومنها واصل الرحلة إلي مدينة السمارة حيث ألقي عليه القبض من طرف السلطات الاسبانية هو وأخاه، وبعد ذلك منحته إقامة مؤقتة، كان هذا في أواخر سنة 1968م.

   استقر بمحمد بصير المقام في مدينة السمارة إذن، وكما يقول رفاقه فإن وضعية أبناء طينته لم تكن لتروقه، وكان يردد دائما هذه العبارة لمرافقيه وثقاته "لابد من تحرير الصحراء لا أريد أن أعيش في القمامة ".

وفي مقابلة لي مع سيدي اليساعة لبصير 26 مايو سنة 1990 قال لي حينها: "أن بصيري كان ينتقد بطاقات التعريف الاسبانية وكذا الجنسية المغربية" الرجل كان يحيط نفسه بكل الفئات الاجتماعية فداوم الاتصال بالعلامة محمد محمود بيد الله، يحاوره في الدين وفي الجهاد في سبيل الله والوطن، كما كثف الاتصال بالشباب وبالعمال والبدو، وبالجنود والمتعلمين، ثم فتح مدرسة لتعليم اللغة العربية بمدينة السمارة مجانا، ومن خلالها ادخل أفكاره ومعتقداته إلى قلوب النشء الصحراوي وذلك مع مطلع سنة 1969.

أسلوبه في العــــمل:


    كان يسر لبعض الثقات المدنيين وحتى العسكريين والتجار قائلا: "أكل النصارى حقوقكم، انتم محرومون من خيراتكم" استعمل الرقى لتغطية عمله السياسي كان كثير التساؤل عن الجهاد والوطن وعن الأرض وتضاريسها، وما في جوف الأرض وما هي أهم انشغالات اسبانيا، كان يجمع بعض أنواع الحجارة التي يعتقد أنها تدل علي الآثار.

   وبأسلوبه اللبق وتواضعه وحديثه العميق دخل قلوب الناس وتحول بسرعة إلى شيخ له مريدوه في شمال الوطن الصحراوي بالخصوص، وبلباقته وحسن خلقه استطاع أن يقنع غيره بأفكاره وأهدافه.

   ماذا يقول عنه شداد القائد صالح في مقابلة لي معه يوم 17 مارس 2010: "التقيته أواخر 1969. من ميزاته أن البسمة لا تفارقه، كان رجلا جذابا في حديثه مقنعا بحجته يعرف كيف يوصل رسالته إلى مستمعيه، في البداية كان تركيزه على احتلال اسبانيا للأرض، وان هذه الوضعية لابد أن تنتهي في يوم من الأيام، ويعطي المتلقي صورة عن التمييز بين النصارى والصحراويين في الأجور وفي المعاملات الإدارية، والعزلة المفروضة على الصحراويين، وعدم تدريس اللغة العربية، وتهميش القضاة الشرعيين وعدم وجود ضباط ساميين من الصحراويين في الجيش الاسباني، وعدم وجود صحراويين في كبريات شركات الصيد البحري، ونهب الثروات الصحراوية من طرف الاستعمار... وان التغيير لن يأتي إلا بواسطة الشباب... انه يخرجك من الخيال إلى الواقع."

   وفي مقابلة لي مع احمد القائد صالح وموسي لبصير يوم 12 أبريل 1973 وكانت حينها الأحداث طازجة في الذاكرة يقولان ما معناه انه من البساطة والطيب حتى انطبق عليه المثل العربي "من الطيب ما يقتل" إذا شرد ذهنك فانه يتفطن فيعيدك إلى رشدك، الذين يفضلون البقاء مع اسبانيا يسايرهم الأيام الأولى ليعنفهم مع الزمن فيقتنعون مع الزمن، يورد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وتاريخ العرب في الأندلس، والذل والهوان الذي يكابده الصحراويون اليوم، وفتاة الكفرة الذي يعيشون عليه، ومع ذلك يظنون أنهم أحسن من غيرهم.

بداية العمل الجدي:


   كان ذلك الأسلوب اللبق تمهيدا لعمل آخر أكثر عمقا فالرجل لم ينزو، ولم يركن إلى الراحة، ولم يضيع الوقت، فما أن ضمن إقامة ولو مؤقتة حتى بدأ يحرض أبناء جلدته حول هدفه الأسمى، تحرير بلاده واستقلالها من ربق الاستعمار، وليظهر لهذا الأخير أن السكينة الظاهرة للشعب الصحراوي، ومهادنته للاستعمار ترافقها وطنية صامتة، تعرف مصالح الشعب، وان هناك نهضة وطنية عميقة فأرسل ثلاث رسائل إلى الحاكم العام الاسباني والمصدر سيدي اليساعة لبصير في مقابلة لي معه 26 ماي 1990.

   أبرزها رسالة مفتوحة باسم الشعب الصحراوي يناير 1969 وكان محتواها:
1- لماذا سلمت اسبانيا منطقة طرفاية للمغرب سنة 1958؟ مع إبداء تخوفه من أن تسلم باقي الأرض للمغرب مخالفة بذلك القرارات الدولية بهذا الخصوص.
2- على اسبانيا أن تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن الصحراء الغربية.
3- المطالبة بتشغيل الصحراويين وإنهاء ظاهرة البطالة في الصحراء.
4- تدريس اللغة العربية في الصحراء.
5- تعبيد الطرق وتسهيل المواصلات بين المدن والقرى الصحراوية.

   أما الرسالة الثانية فقد وجدتها ضمن الوثائق الاسبانية المؤرخة في 04 يناير 1969 وهي رسالة مفتوحة من الشعب الصحراوي إلى الدولة الاسبانية:
1- مقدمة حول حسنات اسبانيا
2- صورة من تاريخ المقاومة الصحراوي ضد كل محاولات الاحتلال وان وجود اسبانيا هو ناتج عن ثقة وإرادة الشعب الصحراوي.
3- تنبيه الحاكم العام إلى المرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر منها قضية الشعب الصحراوي.
4- الرفض القاطع لأي انضمام لأية دولة جارة جنوبا وشمالا وشرقا.
5- حرية الشعب الصحراوي في كل المجالات والتقاليد والطباع والمزاج والخلق واختلافه بالتمام والكمال عن الشعوب المجاورة.
6- دفاع الآباء والأجداد عن سيادة الشعب الصحراوي.
7- هذه الأرض لم تكن موطأ قدم لأي أجنبي باستثناء بعض المستكشفين أو التجار أو السياح، ولم تعرف لا سلطان ولا حاكم ولا أمير أو أي موفد من طرف أي منهم.

   ومن الأفيد أن ننقل لكم هذه الفقرة من تلك الرسالة: "حينما تدعي بعض البلدان اليوم أو من قبل ذلك أنا جزءا منها فان ذلك يعتبر كذبا وافتراء ولا يستند على أي أسس ثابتة...
   نطالب كذلك من الحكومة الاسبانية أنها في الوقت المناسب وباتفاق مشترك مع الشعب الصحراوي تمنحنا حكم أنفسنا بأنفسنا وان يكون ذلك بشكل تدريجي كما يفعل الأب مع أبناءه حتى يكتمل البلوغ...
نطالب كذلك من الحكومة الاسبانية وبإلحاح ألا تغادرنا، ألا تخوننا، وتتركنا نتخبط كالأعمى، بل بالعكس أن تبني الصداقة معنا، وان تقوي الأواصر التي تجمعنا وذلك أكثر مما هو موجود اليوم... وان تتخذ مواقف أكثر جرأة وشجاعة مشرفة لها ولنا أمام المجتمع الدولي، وألا تترك قضيتنا في يد دولة أخرى، ولا بيدنا نحن في هذه الظروف، نريد الدولة الاسبانية كي تكشف ثروات بلدنا، وتتعاون معنا في مجال الإيراد والاستيراد، وفي مجال تطوير بلدنا....
   رغبتنا في ان تطلبوا من حكومتكم رفع مطلبنا إلى الأمم المتحدة على وجه التحديد والى كل البلدان المحبة لمساعدة الشعوب المستعبدة، والتي منها نطلب التأييد والمساندة لحل مشاكلنا، والى جانبكم انتم أن توفروا لنا الحماية، الأمن كشعب لهو وجوده، عاداته، تقاليده، قيمه ككل الكائنات البشرية". العيون 04 يناير 1969.

   استبق الرجل الأحداث ونبه اسبانيا إلى أن هناك فئة طليعية من الشعب الصحراوي تفكر في مستقبله ومستقبل وطنه، كما نبه إلى التخوف من ضعف الموقف الاسباني غير مكترث بعواقب ردة الفعل الاستعمارية فكان مهادنا وصارما فيما يتعلق بمطلب الجيران في الشمال والجنوب ولكل مآربه.

   وفي الجانب الآخر من المعادلة أي سلطات الاستعمار فيم كانت تفكر وما هي خططها؟

مخططات اسبانيا وانعكاس ما أحست به داخل المستعمرة:


   أحيل المهتم إلى ملخص من تقرير تسميه الحكومة الاسبانية: الحكومة العامة لمحافظة الصحراء المندوبية الحكومية لمنطقة الشمال، تقرير توقعات قريبة في الصحراء، العيون 23 ديسمبر 1969.
العرض من التقرير:
   استعراض حول وجهة نظر المندوب الذي يعده حول الجوانب العامة ذات الأهمية المتعلقة بإقليمنا وقف على تقرير المصير المستقبلي الذي وعدت به الحكومة الاسبانية سكانه. تطرق التقرير إلى الجو السائد في شبه الجزيرة الايبرية وسلوك دول أخرى وانعكاسه بالضرورة على الشعب الصحراوي.

أ‌- الجو العام في شبه الجزيرة الايبرية (اسبانيا)
1- حكومة الأمة (ويقصد بها الحكومة الاسبانية المركزية)
لقد تم الوعد على أفواه شخصيات مخولة بتقرير المصير، إذ لابد من تأكيد رسمي دائم لذلك الهدف وهو ما سيولد ثقة اكبر لدى الصحراويين في مستقبلهم الذي سيتيح لهم تقرير مصيرهم بحرية.
2- حول السكان الأسبان
السكان الأسبان يجهلون ما يجري في الصحراء ليس فقط مشاكلها وإنما أيضا موقعها الجغرافي... مما يجلب معه لامبالاة شعبية كاملة وهو ما يتفطن له السكان الأصليون.

   من جهة أخرى فبمقارنة هذه الأراضي مع أقاليم أخرى لما وراء البحار فان الشعب الاسباني يعتبرها خطرا داهما لعمليات عسكرية وشيكة وينظر بشيء من الريبة والحظر إلى مسألة الاحتفاظ بها.

   نعتقد أن الحل لهذا السلوك يكمن في توفير المعلومات الملائمة في كل المجالات عن المحافظة، عن عمل اسبانيا بما يؤدي إلى زرع الاعتزاز والحب في مواطنينا تجاه هذه الأراضي، وحس المسؤولية الذي يجب أن نتقاسمه نحن الأسبان جميعا تجاه الإقليم الذي نديره.
3- حول وسائل الإعلام الاسبانية:
   الشعب الصحراوي يعيش اليوم متعلقا بالخارج، مبديا اهتماما استثنائيا بأية أخبار ذات صلة بالإقليم تنشرها محطات أجنبية... مما يخلق بلبلة كبيرة داخل السكان الأصليين... فليس من المستغرب أن يفاجئوا كون المحطات الاسبانية لا تسارع إلى تكذيب مباشر، وبالتالي ينتابهم الشك بأن عدم قيامها بذلك يعني أن اسبانيا موافقة بشكل ما على المزاعم التي ترد في تلك الإشاعات، من هنا يصبح من الضروري التخطيط لدعاية ملائمة ودائمة....

ب‌- في المحافظة
1- الحكومة العامة
   كثفت جهودها لحكومة الأمة كأولوية كي تغرس لدى الصحراويين الشعور بالثقة المطلقة تجاه اسبانيا وخلق جو من الأمن والاستقرار.
2- السكان الأصليون
   تم خلق ثقة ضائعة لدى السكان الأصليين، هذا إذا ما كانت قد وجدت أصلا... لقد أوردنا هذا الجانب من ذهنية الصحراويين لأننا نعتبره عميق التأثير. والخلاصات المباشرة تذهب إلى الحاجة إلى الدراسة التفصيلية لمنح أي منصب أو امتياز لتجنب الحساسيات وذلك لكون الإحساس بما هو عادل متأصل لدى الصحراوي على المستوى المحلي.

ان السكان الصحراويين من الصعب التحكم فيهم إذ لا يسلمون أنفسهم بشكل دائم أبدا. ويضيف التقرير:

الجو السياسي

1- الخارج والمنظمات الدولية
المنظمات الدولية ودول عدم الانحياز:
- يعتبرون الصحراء الغربية إقليما مستعمرا
- يجهلون وضعيتها السياسية الحقيقة
- لا يثقون في تسيير أحادي الجانب من طرف اسبانيا فيما يخص تقرير مصير سكانها.
فيما يخص الدول التي تطالب بها:
- تزعم انها ستبرر حقوقها في الصحراء الغربية
- تطالب بتدخل لجنة تصفية الاستعمار
- بشكل مسبق تحاول التحكم في الاستفتاء عبر دعاية متواصلة تجاه الشعب الصحراوي.

2- حكومة الأمة
   عبرت بوضوح عن موقفها من خلال وعدها بتقرير مصير الصحراء الغربية ورفضها الاعتراف للمغرب بأية حقوق، وأية روابط أخرى غير الناجمة عن محض كونه جارا لها. وهنا لا يجب ان نغفل رد الشعب الصحراوي حيال تصريحات واضحة صارمة.
3- عن الشعب الصحراوي
   ...أنهم يتخيلون مستقبلا بعيدا تكون فيه الصحراء الغربية دولة مستقلة، ولكنهم يتفهمون المسار الصعب الذي يقتضيه ذلك، لا يتمنون الاندماج لا في المغرب ولا في أية دولة أخرى.
المستقبل المرتقب:
   من خلال تصريحات وزيرنا للخارجية... الحكومة الاسبانية تقبل حلين قابلين للحياد لمستقبل الصحراء الغربية، قائمين على تقرير مصير سكانها:
1- الحكم الذاتي عملية تقوم على اجل طويل تكون مسبوقة بتهيئة تدريجية.
2- الإبقاء على الارتباط باسبانيا: أن يشمل مجالا واسعا من المواقف بدءا من الاندماج الكامل مرورا بدولة مرتبطة وصولا إلى ارتباط متبادل لمستويات متنوعة.

   كما يتطرق التقرير إلى عدد من الإجراءات التي يراها معدوه ضرورة لضمان نتائج التصويت كالحفاظ على وجود القوات الاسبانية وإغلاق الحدود، وخلق أجهزة جديدة كالأكاديميات العسكرية وجيش جديد وطرق جديدة للتعامل مع الإدارات... والمؤسسات الصحراوية كالجمعية العامة والجمعيات الفرعية والعدالة القرآنية ومؤسسة الشيخ... ثم يتطرق التقرير إلى الاقتصاد واستقلاليته بعاملين:
1- إقامة أسس الاقتصاد المستقبلي للإقليم
2- رفع مستوى معيشة السكان الأصليين.
ثم التطرق إلى الثروة الحيوانية وترقية التجارة والثروة السمكية والفوسفات كثروة رئيسية للبلد. التقرير وقعه فرناندو لوبيث ويرطا.

النشأة


   ردا على هذا التصور الاسباني، والشحنة التي بداخل محمد بصير واهتمامه بمصير وطنه فإن الرجل قد بدأت له الرؤى واضحة المعالم، وبما انه آمن بالعمل السري المحدود فقد فاتح أهل ثقته بالأمر.

   يقول سالم سيد ابراهيم لبصير في مقابلة لي معه يوم 12 نوفمبر 2003: "لما عاد محمد بصير من
مرافئ الجامعات إلى ارض الوطن بدأ يبث أفكاره بيننا مع الحذر الشديد- إذ ليس لديه إلا بطاقة مؤقتة للإقامة- إلى المقربين من أفراد عائلته، يتساءل عن مصير الوطن، وعن ديمومة الاستعمار إلى متى؟ خاصة انه درس في كل من القاهرة ودمشق والقومية العربية في أوج انتشار ديدنها آنذاك رغم هزيمة العرب في حرب حزيران (يونيو) 1967.

   لم يثر الرجل في البداية انتباه سلطات الاستعمار وأعوانها نظرا لتواضعه ثم انه من عائلة من أهل العلم والتقى وأصحاب زوايا وفرسان في نفس الوقت، ثم انه يدرس اللغة العربية والقرآن الكريم في مسجد السمارة بعيدا عن الشبهات رغم ان عيون الاستعمار كانت مبثوثة في كل مكان.

   فاتح الرجل خمسة رجال فأبدوا استعدادهم رغم انه نبههم انه يمكن ان يتعرضوا للاعتقال والاختطاف، وحتى التصفية الجسدية يقول: "إنكم تحت رحمة نظام فاشي استعماري فلا يجب ان تنتظروا منه خيرا" بدأت الفكرة تجد مسارها للتطبيق بعد 04 ديسمبر 1969 إذ كانت هناك ثلة من الوطنيين بقيادة محمد سيد ابراهيم بصير بمدينة السمارة قد اتفقت على اجتماع يوم 11 ديسمبر 1969 ليبدأ العمل المنظم وليعرف بصير باسم الحركة وهو: "المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء". وقد كانت هذه الكوكبة مكونة من الوطنيين التالية أسماؤهم كما أفادني بذلك أكثر من مصدر بما في ذلك تصريحات محمد بصير للمحققين الأسبان:

- محمد سيد ابراهيم بصير قائد المنظمة وأمينها العام
- عبد الحي محمد امبارك سيد امحمد
- غالي مصطفى سيدي محمد
- سلامة المامي الداي
- سيدي اليساعة لبصير
- سالم سيد ابراهيم لبصير

   وفي مقابلة لي مع السيد سالم سيد ابراهيم لبصير يوم 12 نوفمبر 2003 قال لي بعد التطرق إلى اسم المنظمة وأهدافها وطرق عملها سواء في التعبئة أو في تكوين مجموعات لينتشر بعدها الفكر الوطني قال: " إن مهام المجموعة الأولى كانت على النحو التالي:
- محمد سيد ابراهيم بصير أمينا عاما للمنظمة
- عبد الحي سيد امحمد نائب الأمين العام
- غالي المصطفى أمين سر المنظمة
- سيدي اليساعة لبصير أمين الصندوق
- سلامة المامي الداي مكلف بالشؤون العسكرية
- سالم سيد ابراهيم لبصير مكلف بالإدارة العامة

   وفي تقرير المخابرات الاسبانية المتضمن استنطاق الفقيد محمد سيد ابراهيم بصير والمؤرخ في 19 يونيو 1970 فإننا نجد ما يلي:
...تم يواصل فيصرح انه في يوم 11 ديسمبر 1969 عندما تناهى إلى سمعه أن الصحراء سيتم تقسيمها، انشأ حزبا لمواجهة فكرة التقسيم هذه يسمى: المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء.

   يتم تنظيم نشاطات الحزب ويبلغ عنه الناس الذين انخرطوا فيه وهم حوالي خمسة وعشرون من بين الأوائل منهم الأسماء التالية:
- غالي ولد سيد المصطفى
- عبد الحي ولد سيد محمد
- مولاي احمد ولد باب رقيب في القوات المتنقلة ATN
- الناه جولي عسكري في القوات المتنقلة ATN
- حمدي المخلول عسكري في القوات المتنقلة ATN
- سيدي ولد اليساعة ولد لبصير كفيف
- سالم ولد سيد ابراهيم مدني
- حمودي البو عسكري في القوات المتنقلة ATN
- سلامة المامي الداي عريف في القوات المتنقلة ATN

الباقي من المنخرطين الأوائل لا يتذكر أسماءهم.
   الإنسان الجديد في البداية يعلم بأطروحات الحزب ونظرياته ولما يوافق على الانخراط يؤدي اليمين على القرآن للإخلاص للمنظمة وللوطن الصحراوي... كل شخص منخرط له رقم كي يعرف به من:
من 1 إلى 20 يعني المنخرطين في مدينة السمارة
من 21 إلى 90 يعني المنخرطين في مدينة العيون
من 91 إلى 110 يعني المنخرطين في مدينة السمارة
من 111 الى 300 يعني المنخرطين في مدينة العيون

   بقية الأرقام لم تنظم طبقا للقانون وإنما تأتي على علاقة بأربعين رقما وفي كل مركز يوجد قائد يحتفظ باللوائح الخاصة بموقعه.

   يذكر أن السمارة كان كاتبها غالي ولد سيد المصطفى ومسؤوله المباشر مولاي احمد ولد بابا وان التفاريتي كاتبه ابراهيم ولد حماد ومسؤوله لارباس ولد الجماني وفي حوزة فالمسؤول الأعلى والكاتب في نفس الوقت هو مترجم الإدارة الحكومية سيد ابراهيم سلامة اجدود.
  
   وفي اجديرية فان الكاتب هو اندادي ولد اعلى ولد عبدي ومسؤوله المباشر هو امربيه ولد ابراهيم ولد البخاري.

   وفي المحبس فالكاتب هو شخص يدعى سعيد (علمت فيما بعد انه سعيد ولد ابراهيم ولد اعلم ابلال) جندي في الجيش وربما يكون هو المسؤول أيضا.

وان سيد احمد ولد رحال يعرف من هم المسؤولون في كل من الدورة والحكونية وبوكراع والطرق المؤدية إليهم.

أما في العيون فان العناصر المهمة هي:
- بدة احمد حمادي
- محمد ولد سلامة ولد لعروسي حارس
- عبد الوهاب سيد المصطفى حمي سائق
- بشر ولد حيدار
- البشير ولد سويليكي ولد بلقاسم بواب في المعهد
- خطاري ولد سيدي الفيلاي عامل في البوليس
- محمد ولد الحسان ولد المحجوب
- محمد ولد المكي
- محمد مامين تاجر بكلومينة المسلمين
- عبد العزيز ولد سيد احمد ولد اعلي موسى
- السياه بناني
- ابليلي عامل بالطرق
- البشير ولد بدة
- سيد احمد ولد مسعود عريف في الشرطة وتاجر في سوق لمخاخ
- محمد امبارك ولد مسعود اخو السابق
- احمد ولد القائد صالح بيروك
- احمد سالم ولد القايد صالح (شداد) اخو السايق
- لخليفة ولد بوجمعة ممرض في الحكومة
- محمد عالي مفتش في العمل مع البشير ولد بيرة
- ابراهيم ولد سعيد ولد الجماني
- احمد ولد بومراح صاحب مقهى ام اشكاك
- الحسين ولد علال (الحسين جزار)
- خطري ولد سعيد ولد الجماني
- خطاري ولد سلمى
- اصلوح ولد سعيد ولد الجماني
- موسى ولد لوشاعة ولد لبصير
- احمد سالك القايد صالح ولد بيروك
- سيدي ولد نافع ولد سيدام عامل بالفوسفات
- امحمد ولد محمد يحظيه.

   هذه العناصر وغيرها هي الأكثر أهمية في العيون كما صرح بذلك سيد احمد رحال للمحققين وزكاها محمد بصير، يجتمعون كل أسبوع وقد سجلوا مطالبهم طبقا لما اقره بصير في المذكرة التي سترفع إلى الحكومة وذلك ليسمعها كل مناضل في المنظمة والشريط يوجد عند محمد ولد ددي وهو مشرف (كبطاه) على حزام الفوسفات بواد بوكراع تلك تصريحات محمد سيد ابراهيم بصيري تحت التحقيق.

   يقول الأخ احمودي محمد امبارك لبصير حسب ما جاء في محاضرة للأخ سيدي اليساعة لبصير القاها يوم 17 يونيو 2007 بمنطقة امهيريز المحررة ما يلي:
بينما انكب جهد زعيمها على تأسيس المكاتب بالمدن والمداشر الأخرى وتعيين قادتها نذكر منها:
- مكتب العيون: سيد احمد رحال، بدة احمد الحمادي، شداد القايد صالح
- مكتب الدورة: الشهيد معط مولانا، احمد الطيب، احمد ابليلة بينما قال لي السيد احمد احمد سالم مكتب الدورة كان مسؤوله محمود حد، معط مولانا ومولاي احمد سالم المنسق. كما علمت من الوثائق الاسبانية أن مكتب الحكونية كان مسؤوله محمد ولد ددي.
- مكتب اجديرية: امربيه البخاري، اندادي اجعيدر
- مكتب حوزة: سيد ابراهيم سلامة اجدود، ابراهيم محمد عبد الله سيدي لعروسي والفقيد مولاي لحسن سيدة.
- مكتب المحبس: سعيد ابراهيم اعلم ابلال
- مكتب التفاريتي: لارباس سعيد الجماني، اعلي ابراهيم حمادي
- مكتب السمارة: عبد الحي سيدي امحمد
ويضيف سيدي اليساعة: "كانت للفقيد مجموعة عمل خاصة لا تفارقه يسند لعناصرها العديد من المهام في إطار المراسلات والتشاور نذكر منهم:
- الشهيد عبد العزيز اعلي موسى
- الشهيد ابليلة المكي
- ختاري السيد
- محمد مامينة
- اعلي حمد
- بابا عبدالودود
-
كما كان يستعين ببعض الطلبة الدارسين عنده نذكر منهم:
- ابراهيم المخطار بو مخروطة
- لوشاعة محمد لمين ميلد (عبيد)"

   بعد ما أدى المنخرطون الستة أو المؤسسون اليمين على المصحف الشريف للإخلاص للوطن وللمنظمة الطليعية، وتفرقوا للتبشير بها، وبضرورة تأسيس فروع لها في كل المداشر والقرى والمدن وحتى بين البدو الرحل، ماذا يقول سيدي اليساعة لبصير أمين صندوق المنظمة في حواره مع مجلة 20 ماي العدد 129، يونيو 1997:
   "بعد تشكيل الهيئة المركزية للمنظمة الطليعية وتوزيع الأدوار بين أعضائها وتحديد صلاحيات ملف كل منهم بدأت الحركة العمل باتجاه الساحة الوطنية لكسب مؤيدين وأنصار لأطروحاتها، كما سعت إلى بسط نفوذها على كل المدن والبوادي الصحراوية وعدم الاقتصار على مدينة السمارة التي كانت حينها بمثابة المركز الرئيسي للحركة، هكذا إذن طال التنظيم مدينة العيون التي تشكلت فيها في البداية أربع خلايا اذكر منها خلية الفرسان وخلية الأشبال الخ... لم يكن من السهل على أي كان الانخراط في صفوف الحركة رغم بداية نشأتها وقلة أنصارها إلا بعد الاحتكاك به وإخضاعه لفترة دراسة يحدد بعدها مدى أهليته للانضمام للحركة من عدمه، وفي حالة الموافقة على المعني أن يؤدي اليمين ويدفع اشتراكات عضويته كمناضل في المنظمة."

   كما قال لي سيدي اليساعة البصير في لقاء لي معه يوم 26 مايو 1990 بعد أن شرح لي الهيكلة ومهام وصلاحيات أفرادها المؤسسين "الاجتماعات التي كان يعقدها محمد بصير معنا كان يتكلم فيها عن الثورة في مصر والجزائر وفيتنام فكان مدرسة للتكوين النظري...
كما تطرق إلى بعض المهام الآنية والمتمثلة في:
1- إشراف الأعضاء على الانخراط بعد دراسة الفرد ومدى سريته
2- أمين الصندوق يجمع الاشتراكات من المسؤولين الجهويين، وحتى من المواطنين الذين يريدون الحفاظ على سرية انخراطهم في المنظمة.

قال لي حول شروط الانخراط:
1- أداء اليمين لتالية على المصحف الشريف: "اقسم بالله العظيم وبكتابه الكريم ألا أخون وطني وألا أخون منظمتي الطليعية التي تعود علي وعلى شعبي بالخير العميم".
2- كل منخرط جديد يوضع اسمه عند صاحب الإدارة وأمين السر والمسؤول عنه هو العضو الذي ادخله أول مرة.
3- يجب أن يكون عملي وناكرا لذاته وملتزما بحضور الاجتماعات التي تعقدها خليته أو الفرع الجهوي الذي يعمل ضمنه.
4- محاربة القبلية لان الشعوب لم تستقل بالقبلية كما يقول محمد بصير.
5- الاشتراكات من 200 إلى 500 بسيطة إلا من تطوع بأكبر من ذلك والباب مفتوح".

   وفي لقاء لي مع سالم سيد ابراهيم لبصير يوم 12 نوفمبر 2003 أفادني بما يلي: "اجتمعت القيادة قرب مدينة السمارة يوم 4 مارس 1970 بعد أن تأسست بعض الفروع خاصة بالمنطقة الشرقية كالمحبس واجديرية وحوزة واتفاريتي بالإضافة إلى السمارة لتدارس ما يلي:
1- إنشاء لجنة للعلاقات الخارجية
2- شراء سيارتي (2) لندروفير للعمل بالداخل
3- جمع السلاح والذخيرة وتكليف مولاي احمد ولد بابا بهذا الموضوع وتذكر محدثي بان المرحوم محمد مولود ولد السالك ولد اباعلي قد التزم بتسليم للمنظمة رشاش وهو احدث سلاح في ذلك التاريخ.
4- إرسال رسالة إلى الجزائر لإشعارها بميلاد المنظمة وطلب دعمها..."

الاتصال الخارجي:


   بناء على ما سبق في النقطة الرابعة فقد أفادني السيد احمد القايد صالح في مقابلتين معه هو والسيد موسى لبصير 12 ابريل 1973 بما يلي: "في شهر ابريل سنة 1970 حل وفد جزائري قادم من بشار بمدينة العيون، ولم يستطع محمد بصير الاتصال به فحوله إلى خطري ولد الجماني الذي طلب الدعم الجزائري بتوجيه من بصير، بعدها انصرف هذا الأخير إلى السمارة، وبعد عودته استدعاني وناولني مذكرة مكتوبة يوم 7 مايو 1970 وأمرني بتسليمها للسلطات الجزائرية إما في بشار أو تندوف وذلك بمناسبة الموسم التجاري السنوي المقام في تيندوف (مكار) الذي يأتيه التجار وأصحاب الغايات الأخرى من المغرب والصحراء وموريتانيا، سلمتها للسلطات الجزائرية في تندوف يوم 9 مايو 1970 او 10 منه، وعند رجوعي أخبرت بصير بالأمر فقال لي: "لن يتركونا وحدنا وسنحضر أنفسنا لتلقي دعمهم".

أما سالم لبصير فيقول عن محتوى الرسالة:
1- الهدف هو استقلال الصحراء من الاستعمار الاسباني
2- طلب التدريب العسكري والسلاح
3- الاعتراف بالمنظمة الطليعية والعمل على الاعتراف بها من طرف منظمة الوحدة الافريقية كحركة تحرير
4- الدفاع عن الشعب الصحراوي المغيب في المنابر الدولية
5- الدعم المادي والسياسي من طرف الجزائر
وقد كان بصير قد اغفل المغرب عن قصد، ونصح رفاقه بعدم انتظار أي شيء منه أما الاتصال بموريتانيا فقد اجل حتى تتقوى المنظمة.
وكان ذلك هو أهم اجتماع بعد تأسيس المنظمة وكان حينها عدد المنخرطين يزداد يوما بعد يوم.

اكتشاف المنظمة


   كانت عيون الاستعمار مبثوثة في كل المدن والمداشر وحتى بين مضارب البدو الرحل فأحست أن هناك تحضير لأمر ما في الخفاء وبناء على ذلك فان احد العناصر المنخرطين في المنظمة في مدينة اجديرية اخبر السلطات الاسبانية بوجود تنظيم سري وقد وصل الخبر إلى محمد بصير ورفاقه يوم 4 يونيو 1970، كما وصلهم في نفس التاريخ أن السمارة لم تنج من إفشاء السر، كما علمت السلطات الاسبانية في مدينة حوزة بالموضوع.

   بناء على هذه المعلومات عقد محمد بصير اجتماعا مستعجلا في مدينة العيون يوم 6 يونيو 1970 الذي اقر ما يلي (المصدر احمد القايد صالح وموسى لبصير في لقاء للكاتب بهما يوم 12 ابريل 1973):
1- كتابة مذكرة تقييم للتواجد الاسباني منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى اليوم وهي التي تعتبر الرسالة الثالثة التي تكلمنا عنها في بداية هذا البحث.
2- طلب الاستقلال الداخلي تفاديا للصدام مع المستعمر
3- حذف شروط الانخراط والسرية
4- الشرح العلني لأهداف المنظمة
5- إدخال النساء للمنظمة
6- تبقى المكاتب الجهوية في اجتماع دائم،

   بالمقابل ماذا عن سلطات الاستعمار؟ إليكم ملخصا عن تقرير مخابراتها المؤرخ في 12 يونيو 1970 من المفوضية الحكومية لمنطقة الشمال:
- مع مطلع شهر يناير علمت المفوضية بوجود حزب صحراوي سري أو على الأقل نوايا تأسيسه
- المعلومات كانت فضفاضة وليست ملموسة ولا مؤكدة قادرة على إعطاء قيمة للموضوع
- باقي الإجراءات التي يجب اتخاذها؟
1- اسم المنظمة: المنظمة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب
2- تاريخ وظروف النشأة: تاريخ تكوينه غير معروف بدقة
3- انخراط خطري ولد سعيد يبدو حديثا
4- زمن الحزب قصير وظل يحشر نفسه في منطقة محدودة بعيدا عن العيون وبمنخرطين قلائل...

أهداف المنظمة

هناك ثلاث اقتراحات :
1 – أن يكون أصله مجموعة من الشباب الذين بموجب الاستفتاء كتبوا رسالة إلى الحكومة يطالبون فيها بجملة من الشروط. اما تكون هذه الفكرة عفوية أو بإيعاز من عميل اجنبي، فلم يتبين ذلك حتى اللحظة.
2 – إمكانية أخرى هي أن المدعو بصيري القادم من المغرب قد جاء خصيصا إلى إقليمنا بتعليمات واضحة من ذلك البلد أو من الجزائر بهدف تنظيم الحزب (وهذا بطبيعة الحال مجرد تصور مخابراتي اسباني لا غير ولا ينطبق على الفقيد محمد بصير لكن المخابرات تحاول زرع البلبلة والشك وسط الشعب الصحراوي).
3 – أخيرا قد تكون نشأة الحزب قد تمت بنفس الطريقة التي تحدث عنها بصيري في احد التجمعات حسب معلومات موثوق بعها.. لقد طلب منه تشكيل الحزب من طرف مجموعة (أربعة أو خمسة ) وهم جنود قاموا بزيارته في مدينة السمارة، وقد صرح له هؤلاء أنهم لن يسمحوا بتقسيم الصحراء، بل لا يقبلون أن تظل داخليا سيئة التنظيم.

مكان النشأة:

- كل شيء الآن يوحي انه ولد في مدينة السمارة.. وهي مركز القرار.
- صندوق المنظمة في السمارة تحت مراقبة شخص كفيف.

المنظمون والقادة:

- لحد الساعة لا توجد معلومات تستحق الذكر، بصير هو الكاتب العام والمحاسب وهو المنظم والمدير والدافع الرئيسي للمنظمة، وهو حامل جميع الوثائق والمسؤول عن الخزينة ومعد القسم الذي يؤديه المنخرطون، وهو صاحب الأفكار المسجلة التي ينوي تقديمها للحاكم العام.
- المنخرطون من 1 الى 12 تعطى لهم عناية خاصة.
- معلومات تفيد بان بعض الشيوخ والرقباء من الوحدات المستقلة هم أعضاء في المنظمة.

عدد الاعضاء المنخرطين:

- المعلومات مبالغ فيها، بعض المخبرين يؤكدون أن المنخرطين 18000 وهو رقم لا يمكن تصديقه صراحة.

التنظيم الداخلي:

يعرف عنه الشيء القليل
- المنخرطون يجهلون من هم قادتهم ولا يعرفون الشيء الكثير عن الأهداف الملموسة للحزب.
- المنخرطون يؤدون القسم على القرآن.
- الشرط الأساسي السرية.
- المنخرطون يدفعون اشتراكات حسب إمكانياتهم.

أهداف المنظمة:

- الإطاحة بالشيوخ الحاليين وتجديد الجمعية العامة.
- الشباب يجد صعوبة في التعايش مع التنظيم القبلي الذي لا يترك لهم فرصة قليلة للتطور.
- الوصول في اقرب الآجال إلى الاستقلال الداخلي المرحلي نحو الاستقلال التام.
- يتحدث المنخرطون عن دولة شريكة مع اسبانيا.
- تعمقت فكرة أعطاء صفة للدولة في أوساط الصحراوين.

الأعمال التي يقوم بها الحزب:

- قد يقدم بعض المتميزين رسالة مطالبهم
- أعمال قد تخل بالنظام كمظاهرات احتجاج، والعاطلين عن العمل وهذا لا يحتمل حدوثه قبل تقديم المطالب.

الإجراءات التي بإمكان الحكومة اتخاذها تجاه الحزب:

- الحكومة لن تقبل بصفة من الصفات وجود الحزب ولا بشروط يحاول فرضها.
- القيام بإعمال تحقق اختفاء هذه المنظمة.
- القيام بإعمال مباشرة (عن طريق القوة) او غير مباشرة بهدف تجريد المنظمة من أي مصداقية
- القضاء عليها بوسائل غير رسمية.
   إن عملا مباشرا ضد مكوني الحزب ونجاحه ضد الرأس المرئي (المدعو بصيري) لا يشكل صعوبة كبيرة في الميدان (اعتقالات، استنطاقات، غرامات، وإبعاد الخ...)، إلا أن إجراءات من هذا القبيل لن تكون ذا فائدة بالنسبة لمصالحنا، إذ لن يثمر إلا عن نتيجة عكسية، وسيؤدي إلى تقوية موقع الحزب، وفي هذا السياق يبدو أن بصيري نفسه قد أعلن انه لا يأبه بالسجن ولا بأي إجراءات مشابهة لان ذلك سيصب في إعطاء الحزب شهرة اكبر....
أما عن الأعمال غير المباشرة قد تكون من نوعين:
1 – شبه المباشرة تعتمد على القوة لكن تجري في سرية
2 – من النوع الماكر والمخاتل ترمي إلى تجريد المنظمة من آية مصداقية

   إن العمل المباشر ذو الطابع السري أو المموه تحت آية دوافع أخرى يتمثل في اعتقال الرأس المرئي كإجراء أولي يجب أن يسجن في سرية تامة، وان ينقل خارج الإقليم والإبقاء عليه في عزلة تامة دون الاتصال بالخارج حتى تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي وبطريقة مشابهة يتم التعامل مع الأعضاء الآخرين الأكثر تميزا، وهم الأكثر حساسية بالطبع، والعمل معهم يكون بشكل تنحية إن كانوا شيوخا، فقدان التجارة إن كانوا تجارا، الإبعاد والطرد إن كانوا عسكريين.

إن اختفاء الرأس سيؤدي إلى نهاية الحزب وانطفائه ولا يمكن ضمان النتائج.

   حل آخر وهو خلق حزب جديد نظمه وبرامجه تعد من طرف الحكومة وهي الوسيلة غير الرسمية.
بالإضافة إلى الفوائد المشار إليها سابقا، هناك فائدة أخرى تكمن في السرعة التي قد توضع حيز التنفيذ، فهذا الحل يعطينا إمكانية استباق العمل المبرمج من قبل المنظمة الطليعية...

وهو ما سيشكل ضربة قاسية لها..

ويضيف التقرير: "ان الطريق الذي يجب سلوكه هو القيام بأعمال تحقق اختفاء هذه المنظمة، ان تحقيق هذه الغاية صعب صراحة لاسيما انه موجه ضد أفكار.."

ماذا يقول تقريرا آخر مؤرخ في 13 يونيو 1970 م؟:

تعريف الحركة:

" حركة مدعمة من طرف الشرائح الاجتماعية ذات الثقافة العريضة من جذور وطنية تهدف إلى الإسراع وبكل جهد لأخذ الاستقلال السياسي.

البرنامج المعروف للحركة:

- بناء دولة صحراوية مستقلة
- توقيع مع اسبانيا معاهدة (من دولة لدولة) لتحديد الفترة الزمنية لحماية الإقليم (مابين 10 الى 15 سنة).
- إلغاء دور الشيوخ وحتى مؤسسة الجمعية العامة
- إعادة تنظيم المؤسسات الحالية
- تبني العمل السري وجمع المساعدات المادية للحركة

استنتاجات:

- اسبانيا أمام ظاهرة شعور وطني
- يبدو أن الحركة في الوقت الراهن تعمل على أهداف محددة
- مطالب الحركة في تنامي مستمر، وفي حالة عدم تلبيتها سيتمخض عن ذلك توتر غير متوقع، سيتوج بإعمال تخريبية داخلية.
- احتمال ان الحركة توجه من جهات أخرى
- بما أن التحرك لا رجعة فيه، فمن الأفضل توجيهه، او على الأقل مراقبته عن قرب، والتأثير في مواقعه " العيون 13 /6 /1970 م.

بناء على هذه المعطيات ومن مصادر عدة (سالم لبصير، موسى لبصير، احمد القائد صالح، سيد احمد رحال، سيدي لبصير، سيد ابراهيم اجدود وغيرهم) فقد استدعى بصير رفاقه إلى اجتماع طارئ بمدينة العيون فاقر ما يلي:
1 – تشكيل لجنتين تقوم كل منها بدور محدد :
- لجنة تعميم المذكرة التي كتبها بصير للحاكم العام الجنرال ببريس ذي ليما
- لجنة لبناء الخيام والإشراف على الاستهلاكيات إبان المظاهرات الموازية لمظاهرة الحكومة الاسبانية
2 – ملخص من المذكرة يسلم للمراكز الاستعمارية النائية وذلك في اليوم الموالي أي 14 يونيو، (وقد علمت ان نسخ قد سلمت لكل من السلطات في حوزة واجديرية واتفاريتي والسمارة).
3 – التنقل المستمر للقادة الفاعلين للاتصال بالفروع المنضوية تحت لواء المنظمة الطليعية.
4 – فتح المجال للانخراط العلني في المنظمة دون أداء القسم.
5 – استقطاب سكان الجنوب الذين سخرت لهم السلطات الاستعمارية إمكانيات النقل لحشدهم في المظاهرات التي ستنظمها لصالحها.
6 – تفادي المواجهة المسلحة مع القوات الاستعمارية، وتكون الوقفة سلمية حتى لا يكون الرد الاستعماري عنيفا.

   وفي النقطة الأخيرة لابد من الإشارة إلى أن فتوة المنظمة لم تصل بعد أفكارها الحديثي العهد بهذا النوع من الاحتجاجات، خاصة وأننا في عهد عنفوان النظام الفرنكوي الاسباني، وهو ما سنراه لما فرضت الظروف تلك الانتفاضة التي كانت غالبها سلمية، والتي تعاملت معها سلطات الاستعمار بنوع من العنف أدى إلى حمام دم في الأوساط الصحراوية كما سنرى.

   يوم 16 يونيو 1970 عقد بصير اجتماعا آخر لتدارس الوضع الجديد وأين وصلت الاستعداد للمظاهرة التي قرر لها أن تكون ب"خط الرملة" في اليوم الموالي، وقضية المذكرة في هذا الاجتماع طلب الحاضرون من محمد بصير مغادرة العيون خوفا من إلقاء القبض عليه، فكان جوابه كما ورد من مصادر مختلفة: "لا يمكنني أن أورد الناس وأعطي لهم بظهري، وإذا سال دمي على وطني فسيتحرر هذا الوطن مهما طال الزمن، ثم إن اسبانيا ستقول أني مغربي كنت ابحث عن مآرب شخصية، وكنت سببا في سجن وطرد أبناء وطني، لا، لا لن أغادر، سأبقى ويفعل الله ما يريد.."

قرار الاجتماع:

1 – مواصلة عمل اللجنتين
2 – أن يبقى بصير بعيدا عن موقع المظاهرة التي ستنطلق غدا.
3 – يتوجه السيد لارباس الجماني إلى موريتانيا غدا بعد النظر إلى ما سيؤول إليه الوضع.

   هكذا فضل بصير أن تكون موريتانيا أول من يعلم بمظاهرات الشعب الصحراوي حتى لا تتهم الحركة بالتوجيه من طرف المغرب أو الجزائر، وكان محق في تصوره.

4 – خمسون سيارة تحمل يافطات تجوب الشوارع ويحرض أصحابها الناس للتوجه إلى خط الرملة.

   صرح محمد بصير بعد اعتقاله للمحققين الأسبان بما يلي حسب التقرير: "وكانوا يفكرون في تنظيم مظاهرة منفصلة عن الحكومة وذلك لتقديم مطالبهم، لقد كتب الرسالة التي كان يجب أن تسلم للكاتب العام من طرف عشرة أشخاص هم:
- البشير ولد بيرة
- بشر ولد حيدار
- محمد ولد الحسان
- ابراهيم ولد الجماني
- الحسين ولد عللا ولد الحسين
- مولاي احمد ولد بابا
- احمد ولد بومراح
- بده ولد احمد الحمادي
- محمد امبارك ولد مسعود
- احمد ولد القايد صالح

ونص المذكرة مترجم من اللغة الاسبانية يوجد لدى كاتب هذا البحث وهي مذكرة مطولة رفض تسلمها الجنرال بيرس دي ليما في البداية واستلمها فيما بعد في موقع المظاهرة.

الانتفاضة والمجزرة:


   بعد ان جلبت اسبانيا عددا من الصحفيين لتغطية المظاهرة المؤيدة للبقاء مع الاستعمار وذلك في قلب المدينة والتي ستنطلق كما كان مخططا لها يوم 17 يونيو 1970 تفطن محمد بصير للعبة فاصدر تعليماته إلى أعضاء المنظمة كي يتصلوا بالقادمين من الجنوب والذين يجب استقطابهم للانتفاضة الشعبية، وقد استغل أعضاء المنظمة نقل السلطات لهؤلاء المواطنين، وبالفعل انضم هؤلاء بسهولة إلى الشعب صبيحة يوم 17 يونيو، حيث سلمت المذكرة للجنرال بيريس ذي ليما فأعادها مدعيا ألا فائدة منها فتوتر الوضع على اثر ذلك.

وهكذا فضل الجنرال الانتقال إلى خط الرملة، في أوج المظاهرة ففرض عليه أن يستلم المذكرة (مقابلة مع احمد القايد 12 أبريل 1973).

   التزم الجنرال برد الجواب الساعة الرابعة مساءا وهنا لابد من التطرق إلى ما قاله السيد سيدي اليساعة لبصير لمجلة 20 ماي عدد 129، يونيو 1997:
   "لم تسع المنظمة بمحض إرادتها إلى إشعال فتيل الانتفاضة، كما أن اسبانيا لم تكن تتوقع أن يحدث ما حدث... أرسل الأسبان الشيوخ الصحراويين إلى تلك الجموع المتجمهرة بالزملة لحملها على الالتحاق بالمنطقة التي حددتها الإدارة الاستعمارية كمكان للتظاهرة غير أن تلك الجموع رفضت وساطة الشيوخ الذين اشعروا فيما بعد بأن لدى القائمين بالتظاهرة مذكرة لن يسلموها سوى للحاكم العام، فانسحب الشيوخ إلى من حيث أتوا وتلاهم بعض ذلك ضابطان اسبانيان احدهما برتبة قبطان (نقيب) والآخر برتبة كومندان (رائد) وقيل لهما ما قيل للشيوخ الصحراويين ورجعا بدورهما بخفي حنين، مما اضطر معه الحاكم العام في النهاية إلى الرضوخ للأمر الواقع، والتوجه إلى حي الزملة حيث سلمت له المذكرة التي تحمل مطالب المنظمة.

   وفي حدود الساعة الرابعة مساءا جاء الأسبان مرة أخرى إلى الجماهير الصحراوية التي كانت تتحشد بحي الزملة، وطلبوا منها الالتحاق بتلك الجموع التي استقدموها نظرا لقلة عددها مقارنة بمناضلي الحركة والمتعاطفين معها.."

   يقول سيد ابراهيم سلامة اجدود لمجلة 20 ماي عدد 129 يونيو 1997: "جاءنا النقيب لاباخو ومعه جمع من الشرطة يحمل معه آخر إنذار: "إذا لم تتفرقوا قبل الساعة الرابعة فسيتحول فرحكم إلى دموع ودماء".

   ويضيف: "بالفعل على تمام الساعة الرابعة مساءا قدمت كتيبة من الشرطة مسلحة بالهراوات متبوعة بأخرى مدججة بالسلاح (رشاشات، مسدسات) تقدمت الأولى لاقتحام الجماهير إلا أنها فشلت أمام قوة وتماسك المتظاهرين مما دفعها إلى التقاعس والفرار، وتقدمت الثانية يقودها الرائد لوبيت ويرطا، والكابتان لاباخو في محاولة ماكرة لإلقاء القبض على زعماء المظاهرة بحجة النقاش معهم عندها وقعت مشاداة بالأيدي في البداية لتتطور إلى استعمال العصي والحجارة بين الشرطة والجماهير الغاضبة.. في تلك الأثناء تم إلقاء القبض على كل من بدة ولد احمد حمادي واحمد ولد القائد صالح وآخرون، وأصيب النقيب لاباخو بحجر فوق عينه اليمنى، وتدفقت الدماء الغزيرة منه حمل على أثرها إلى المستشفى، وتواصلت المشاداة العنيفة الدامية، ثم تعززت الشرطة بكتيبتين من الترسيو (اللفيف الأجنبي) وذلك في حدود الساعة الخامسة مساءا، وتقدمت من الحشود العزلاء في وضعية قتالية يقودها نقيب فاصدر أمره بإطلاق النار بصورة عشوائية حيث سقط جرحى كثيرون... في تلك اللحظة كتب بصير بيانا مختصرا بالواقعة وسلمه للأخ لارباس سعيد اجماني الذي حمله إلى السلطات الموريتانية وطلب فيه إذاعته ليلة 19 يونيو 1970 م.

   وقد وصل البيان بالفعل وأذيع من الإذاعة الموريتانية. هكذا وقعت المجزرة وأقرت بها السلطات الاستعمارية إذ تصف الوضع انه خطر، وانه بعد قدوم كتيبة اللفيف الأجنبي وإطلاق النار على المتظاهرين حملت سيارات الإسعاف شهيدين وحوالي 20 جريحا وتفرق المتظاهرون. أما الشهيدين فهما:
- سلامة ابراهيم لعبيد
- ابراهيم ولد المحجوب ولد محمد عالي ولد لحبيب

   وقبل أن ننهي كلامي عن المجزرة أريد أن أعرج على رسالة أرسلها محمد بصير للمشرفين على الانتفاضة ام الانتفاضات الصحراوية في تاريخ الشعب الصحراوي المعاصر:

" بسم الله الرحمن الرحيم
إلى إخواننا الأعزاء المحترمين
تحية طيبة حارة وبعد،
نحن بخير وعلى خير، المذكرة لم تتقدم برفض من السلطة، والسلطة لم تتقابل مع أعضاء المنظمة.. ورفضت ذلك.. ونحن قررنا ألا نشارك في مظاهرتهم، إلا بصفة واحدة، وهي أننا سنجتمع وحدنا في الخيام، ومن أراد أن يتكلم معنا فليقدم علينا من جهة الحكومة واعلموا أن المسألة خطيرة، وخطيرة جدا، والأمور معقدة كثير من التعقيد ومؤزمة..وحسب ما يظهر لي أنها أكثر من التعقيد، ولكن بالأساس سوف تحل كل الأمور بالسياسة، أهل الداخلة أتوا هنا ودخل معنا خمسون شخصا منهم، وكبيرهم ينتظر وصول خطري.

إن أمرتكم الحكومة بالقدوم فاقدموا عندنا ونحن بانتظاركم.. وان قالت لكم أنها سوف تذهب بكم لمصلحتها فقولوا لها نعم ونحن بانتظاركم وأوصيكم بالصبر والثبات، وإياكم والتراجع".. (بخط بصير في كتاب احمد باب احمد مسكة تحت عنوان : جبهة البوليساريو روح شعب ص128.)

   أريد في النهاية أن أشير إلى ما كتبه المؤرخ الاسباني رامون اكيري في كتابه: "حقيقة خيانة": "إن الخطأ الفادح تمثل في إرسال قوات عسكرية نظامية ضد تحشد جماهيري في حين أن تفكيك مظاهرات جماهيرية لا تدخل ضمن مهامها المهنية: إنما تعتبر إعلان حرب ضد الوطنية" ص 583.


اعتقالات سجون نفي:


كان من بين أوائل المعتقلين من مقر التجمهر:
بدة احمد الحمادي
احمد القايد صالح
الحسين ولد عيللا
لتتوسع الاعتقالات فتشمل أكثر من مئة مناضل في المنظمة الطليعية ولا يتسع المقام لذكر الكثير منهم ولكن الذين اقتيدوا إلى سجن القنديل بالداخلة على متن باخرة فهم:
- الحسين ولد عيللا ولد الحسين
- موسى ولد لوشاعة ولد لبصير
- بدة ولد الحمد الحمادي
- محمد ولد الحسان ولد المحجوب
- محمد محمود ولد الحنافي ولد لبصير
- سيدي ولد ليساعة ولد لبصير
- احمد ولد القايد صالح ولد بيروك
- سعيد ولد محمود ولد بهاها
- سيد احمد ولد امبارك ولد رحال
- محمد عبد الرحمن ولد الرباني
ولم يطلق سراحهم إلا بعد إضرابات عن الطعام وذلك مع مطلع سنة 1971.

وكان أول معتقل عسكري:
    عبد الحي ولد سيد احمد القي عليه القبض يوم الانتفاضة وهو في دورية قرب بئر لحلو والذي سيحول فيما بعد إلى السجن العسكري رفقة رفاقه بجزيرة تينيريفي نذكر منهم المرحوم مولاي احمد ولد بابا وسلامة ولد المامي ولد الداي، وبابا ولد الدلال، واحمد ولد لحبوب، ومحمد ولد العك. هؤلاء وغيرهم نقلوا إلى ذلك السجن وحوكموا ولم يطلق سراحهم إلا أواسط سنة 1971 كما نفي عدد من المنخرطين في المنظمة إلى المناطق الداخلية بالصحراء الغربية من بوجدور إلى اوسرد فحوزة فكلتة زمور فالتفاريتي فالسمارة، الخ... وبقوا هناك تحت إقامة جبرية إلى أن أفرج عنهم مع مطلع سنة 1971.

محمد بصير من الاعتقال الى عالم المجهول:


   بقي محمد بصير في منزل موسى لبصير، يبعث زوجة هذا الأخير المرحومة خديجة منت عبد الكريم لالتقاط الأخبار، وكل مرة يلج المنزل احد أعضاء المنظمة ليخبره بتطورات الوضع كالمرحوم البشير اسويليكي بلقاسم وبالمجزرة التي وقعت والاعتقالات وقد أخبره بعضهم بأن المطلوبين للسلطة أكثر من 700 مطلوب، زاره السيد سالم لبصير في محاولة من هذا الأخير للتأثير عليه كي يغادر المكان وفي نيته اختطافه إلى الحدود الموريتانية أو الجزائرية لعلمه انه يكره المغرب ونظامه فلم يستجب لرغبته وإنما اكتفى بالقول: "مهما كانت النتائج فاني لن ابرح مكاني حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، من الأفضل أن يسيل الدم على أرضنا حتى نكون جمرة في أيديهم بل قال باللهجة الحسانية: "خليهم يوحلوا فينا"، جاءه السيد عيسى ولد اعلى موسى بلائحة المطلوبين.

   الساعة الثالثة من فجر يوم 18 يونيو 1970 طوقوا المنزل الذي كان يقطنه محمد بصير بقوات البوليس فألقى عليه القبض، يقول التقرير الاسباني انه كان مسالما، وانه لما انتهى إلى سمعه أن الصحراء سيتم تقسيمها انشأ حزبا لمواجهة فكرة التقسيم هذه.

   نقل محمد بصير إذن إلى السجن المركزي وبدأت عملية التعذيب وقد شاهده بعض رفاقه في زنزانة منفردة متكئا على جنبه الأيمن فيه اثر ضربات في الوجه ودماء تسيل منه. ويقول التقرير الاسباني 19 يونيو 1970: "يعترف انه لو حضر لما حدث أي شغب، كما يؤكد التقرير كل الأحداث التي تكلمنا عنها من اجتماعات والرسالة إلى الجزائر وقضية جمع الأسلحة وغيرها."

   هكذا غاب محمد سيد ابراهيم بصير عن الأنظار، تركه رفاقه منفردا في زنزانته بالسجن لكحل بالعيون إلى أواخر شهر يوليو أو أوائل شهر أغسطس بعد أن رحل منهم العشرة المشار إليهم آنفا إلى الداخلة، قيل لي من طرف بعض الجنود والحراسات أنهم شاهدوه في سجنه إلى شهر أغسطس 1970 ومنه نقل إلى ثكنة "الترسيو" شمال وادي الساقية الحمراء، شمال غرب مدينة العيون، ومنذ ذلك التاريخ لم يسمع عنه أي خبر اللهم تلك الأقاويل التي صاغتها المخابرات الاسبانية بأنه تم ترحيله إلى المغرب، وبعث صورة له إلى نقاط الحدود للإشعار.

   يقول عنه سيدي لبصير في مقابلة مع مجلة 20 ماي العدد 129 يونيو 1997: "لم تنته الحركة باختفاء بصير، قد يكون اختفائه قد اثر في فعاليتها، لم تعط أكثر مما أعطت معه في زمن قصير إلا أنها ظلت مستمرة... ويبقى مصير بصير يلاقيه الغموض ما لم تكشف كل الحقائق التي صاحبت سجنه واختفائه اللذان تعتبر اسبانيا المسؤول الأول والمباشر عنهما وعن إماطة الغموض الذي صاحبهما... ويبقى آخر لقاء لنا به هو ما حصل في السجن لكحل بالعيون بعد شهر من أحداث (الزملة) وذلك عندما قرر الأسبان توزيع المعتقلين على السجون التي حددوها لهذا الغرض، وقد كان وقتها يلوح لنا في محاولة منه لرفع معنوياتنا...

   كما هناك شهادة للسيد سيد ابراهيم اجدود منشورة في نفس العدد من مجلة 20 مايو حول الملابسات التي رافقت المنشور الاسباني الذي يعتبر كاذبا وعمليته تمويهية للجريمة المتمثلة في اختفائه في ظروف غامضة.."

   يقول المرحوم امربيه ولد ابراهيم ولد البخاري لمجلة 20 ماي عدد 129 يونيو 1997: "كان جل السجناء موزعين على غرف تضم كل واحدة ثلاث سجناء صحراويين ما عدا بصير الذي كان مرميا بفناء السجن يلازمه حارس كالظل، ومع ذلك فإن هذا الوضع لم ينل من عزيمته، فكان يلوح لنا بين الفينة والأخرى، ليطمئننا بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا... كان اختفاؤه لغزا ما زالت طلاسمه لم تفك لحد الساعة"...

   ماذا يقول عنه المؤرخ الاسباني: خوسي رامون دييكو اكيري إذ أشار في كتابه السالف الذكر:
"احتراما لحظه فان عددا من الكتاب تكلموا عن مصيره، ففيار يقول: انه تم اغتياله، بينما يقول موريس باربيا بأنه تم ترحيله، واحمد بابا مسكة يقول بأنه تم قتله...
   ...إن دورية للفرقة الثالثة للترسيو (اللفيف الأجنبي) بقيادة ضابط للشرطة الإقليمية تلقت الأوامر بترحيله، لكن من المحتمل أنها لم تصل به إلى الحدود".

   إن الفقرة الأخيرة لهذا الكاتب الذي سبق له أن أجرى مقابلة مع صحيفة اسبانية قال فيها حول الموضوع: "إنها فضيحة لاسبانيا"، هي الصحيحة على ما يبدو، والكاتب من جهاز المخابرات الاسباني.

   وقد أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب بمناسبة الذكرى الأولى لاندلاع الكفاح المسلح 1974 كتيبا تحت عنوان "سلسلة من كفاح شعبنا" به صورة الفقيد محمد بصير وقد كتب الشهيد الولي مصطفى السيد هذه العبارة تحت الصورة: "إذا أرادت القدرة الخلود لإنسان سخرته لخدمة الجماهير".

   في أواخر شهر سبتمبر 1975 إبان المفاوضات التي جرت بين الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب والحكومة الاسبانية والتي توجت باللقاء الذي تم بين الشهيد الولي مصطفى السيد وكل من محمد عالي حمدات وكاتب الحروف من جهة ووزير الخارجية الاسباني السيد كورتينا ماوري بفيلا النصر بالجزائر العاصمة والتي دار فيها الحديث حول النقطتين التاليتين:
1- مسئولية اسبانيا في الدفاع عن الشعب الصحراوي حتى يقرر مصيره والعلاقات المستقبلية بين الدولة الصحراوية والدولة الاسبانية.
2- الأسرى لدى الجانبين وطرق إطلاق سراحهم.
   وضعت شخصيا السؤال التالي على الوزير الاسباني: أين محمد بصير؟ نريد إطلاق سراحه إن كان مازال سجينا أو إماطة اللثام عن مصيره أو رفاته إن كان قد تعرض للاغتيال؟ وقع السؤال كالصاعقة على الوزير كورتيا ماوري، واحمر وجهه فأجاب: "أعطيكم كلمة شرف باني سأبذل جهدي حتى تظهر الحقيقة في هذه النقطة كما أعطيكم كلمة شرف بأن اسبانيا لن تخون الشعب الصحراوي وستبقى المدافع الأول عن مصيره".

ولقد أوفى الرجل بكلمته على مستواه الشخصي إذ لما تبين له أن اسبانيا في طريقها إلى خيانة الشعب الصحراوي قدم استقالته من تلك الحكومة التي يقودها آنذاك ارياس بقارو.

خاتمــة:


   وأقول في نهاية مداخلتي هذه بأنه بفضل الفقيد محمد سيد ابراهيم بصير والمنظمة الطليعية وأم الانتفاضات الصحراوية في 17 يونيو 1970، ننعم اليوم بوحدة الشعب الصحراوي حول المصير والهدف الذي هو الاستقلال الوطني، وكما سبق لي أن قلت بأن الجبهة الشعبية هي الابن الشرعي للمنظمة الطليعية لتحرير الصحراء وإلا لما كان أول أمين عام للجبهة الشعبية هو أمين سر المنظمة الطليعية، وهو الدليل الساطع على استمراريتها وبريق نضالها الذي عم كل الشعب الصحراوي سواء في الأرض المحتلة أو في البلدان المجاورة.

منقول عن وكالة الانباء الصحراوية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق